من هو النبي الذي آمن به كل قومه ؟
أرسل الله الأنبياء و الرسل ليرشدوا الناس إلى طريق النجاح و الفلاح في الدنيا و الآخرة، بعثوا في أزمنة مختلفة و في أقوام مختلفة أعراقهم و لغاتهم، منهم أقوام عاثوا في الأرض فسادا كقوم عاد ومنهم من غاص في المعاصي و الشهوات مثل قوم سيدنا لوط عليه السلام.
من الأنبياء من آمن به جزء من قومه وحاربه آخر، منهم من إستمرت دعوته مدة طويلة كسيدنا نوح عليه السلام، نبي بعد نبي و رسول بعد رسول إلى أن جاء خاتمهم، أشرف الخلق وسيدهم رسول الله محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة و السلام، الذي بعث بالرسالة الحق التي ستقوم إلى يوم الدين.
فمن هو النبي الذي آمن به كل قومه؟ وماهي قصته العجيبة؟
النبي الذي آمن به كل قومه
هو سيدنا يونس عليه السلام، بعث إلى "نينوى" وهي مدينة الموصل حاليا، أمضى سنين طويلة في دعوة قومه إلى الحق بترك مامنعه الله وفعل ما أمر به، قال تعالى ﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [الصافات: 147، 148]، لكن قومه لم يستجيبوا لدعوته و عصوه ولم يسمعوا له، بل وعاندوه و تمردوا عليه وأصروا على كفرهم و ضلالهم، فغضب منهم بعد أن لم تنفع معهم نصيحة ولا تحذير، خرج من عندهم دون أن إذن من الله ووعدهم بأنه سيأتيهم العذاب بعد ثلاث من رحيله، فلما بدأ قومه يرون بينات العذاب جلية أمامهم أصابهم الذعر و الخوف وندموا عن ما فعلوا مع سيدنا يونس عليه السلام، فقذف الله في قلوبهم التوبة فخرجوا جميعا نساءا و رجالا و أطفالا يطلبون المغفرة من الله عز وجل، فصفح الله عنهم وتاب عليهم و لم يعذبهم، قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98].
قصة سيدنا يونس مع الحوت
بعد أن خرج سيدنا يونس غاضبا من قومه الذين لم يطيعوه وتمسكوا بكفرهم و جحودهم، قادته إرادة رب العالمين إلى سفينة فركبها مبتعدا عن قومه، لكن سرعان ما هاج عليهم البحر بإرادة من الله فأمرهم ربان السفينة بأن يلقوا حمولتهم لأن الموج طغا على السفينة، قألقوا كل أموالهم و حمولتهم الثمينة تفاديا لغرق السفينة، لكن هذا لم يكن كافيا فأخبرهم الربان أن عليهم أن يلقوا أحدهم في البحر ليخف وزن السفينة بعد أن تخلصوا من كل شيء، فقرروا أن يقوموا بالقرعة فيما بينهم لكي يكون الأمر عادلا، في المرة الأولى خرج إسم سيدنا يونس عليه السلام، لكن الركاب لم يريد إلقاءه في البحر لكونه غريبا عنهم، فأعادوا القرعة للمرة الثانية وكانت نفس النتيجة فقرروا إعادتها من جديد، فيخرج إسم 'يونس' من جديد فشعر الركاب بأن لديه نحسا فقرروا إلقاءه في البحر، فالتقمه الحوت وكانت بداية محنة سدينا يونس في الظلمات، قال تعالى ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [الصافات: 139 - 142].
محنة سيدنا يونس في بطن الحوت
في ظلمة جوف الحوت تحت ظلمة البحر كانت هذه هي محنة سيدنا يونس عليه السلام، فبعد أن ترك قومه العصاة غاضبا دون إذن من رب العالمين، أراد الله له أن يذكره بأهمية الصبر في توصيل الرسالة، ويذكرنا نحن بالجهد و المحن التي مر بها الرسل و الأنبياء في سبيل هداية الناس.
علم سيدنا يونس أنه إستعجل في خروجه من قومه وأن هذا إمتحان من الله، فبدأ يسبح الله وهو في بطن الحوت في ظلمات البحر، كما جاء في قوله تعالى ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، وقد صف رسول الله صل الله عليه و سلم تسبيح سيدنا يونس في بطن الحوت بأنه سيد الأدعية، وقد ذكر الله في كتابه الكريم حال سيدنا يونس بأدق الأوصاف في قوله ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].
فتاب الله عليه فأمر الحوت أن يلقيه على الشاطئ، وقد كان في حالة سيءة بعد ما مر به، فأخرج له الله شجرة اليقطين ليأكل منها وليتداوى جسمه، فرجع إلى قومه فوجدهم قد أسلموا جميعا بحكمة من الله، فأكمل ما ارسله الله به فوجههم بما أمره الله به وأقام بينهم إلى أن توفاه الله.